صعود اليمين المتطرف- تهديد للعنصرية وتفكك الاتحاد الأوروبي ومستقبل الأقليات.

المؤلف: كمال أوزتورك10.25.2025
صعود اليمين المتطرف- تهديد للعنصرية وتفكك الاتحاد الأوروبي ومستقبل الأقليات.

إن مجرد استخدام عبارات من قبيل "اليمين المتطرف" لا يعكس بالشكل الكافي حجم التهديد العنصري الآخذ في التنامي في القارة الأوروبية، والذي بات يهدد بتجاوز حدوده الجغرافية. لقد حققت الأحزاب ذات الخلفيات الأيديولوجية العنصرية انتصارات ملحوظة في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي، الأمر الذي استدعى قرع أجراس الإنذار مجدداً بشأن حدوث تحول جوهري في الخريطة السياسية للقارة العجوز.

وقبل ذلك، حقق حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) مكاسب انتخابية كبيرة في ألمانيا، حيث شهدت نسبة أصواته ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 14%، وتمكن حزب التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان من الحصول على ضعف عدد الأصوات التي حصل عليها الرئيس ماكرون في فرنسا، كما فاز حزب إخوة إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني بالانتخابات العامة في إيطاليا، وضاعف حزب الحرية النمساوي عدد مقاعده في البرلمان. وتتبنى هذه الأحزاب في خطابها السياسي توجهات قومية متطرفة ومعادية للمهاجرين والأقليات، الأمر الذي يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل القيم الديمقراطية والتعددية الثقافية في أوروبا.

عودة الموجة بعد هدوء مؤقت

شهدت النزعات القومية المتطرفة في أوروبا فترة من الهدوء النسبي خلال فترة انتشار جائحة "كوفيد-19" والأزمة الروسية الأوكرانية، لكنها عادت وبرزت بقوة في الآونة الأخيرة. وتشير الدراسات والأبحاث المتخصصة إلى أن هذا الصعود مدفوع بعدد من العوامل المتداخلة، بما في ذلك التحديات الاقتصادية المتزايدة، والمخاوف الأمنية المتصاعدة، وتزايد الشعور بالقلق إزاء الهجرة وتأثيرها المحتمل على الهوية الثقافية للدول الأوروبية.

فعلى سبيل المثال، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث المرموق في عام 2023 أن نسبة كبيرة من المواطنين الأوروبيين يعتقدون أن الهجرة تمثل تهديداً حقيقياً لهويتهم الوطنية. وتشير التقديرات إلى أن هذا الفكر العنصري سوف يلقي بظلاله على العديد من الدول الأوروبية خلال السنوات الخمس القادمة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحول أكبر تجمع متعدد الدول منذ نشأة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية إلى شكل آخر.

تفكك الاتحاد الأوروبي.. خطر حقيقي

يمثل تنامي قوة الأحزاب القومية المتطرفة تهديداً حقيقياً لمستقبل الاتحاد الأوروبي واستمراره. فالعديد من هذه الأحزاب تعارض بشدة فكرة التكامل الأوروبي بشكل عام، وتدعو إلى الانسحاب الكامل من الاتحاد أو على الأقل تقليص صلاحياته وسلطاته. وقد رأينا على سبيل المثال كيف ظهر إلى الوجود حزب بريكست في المملكة المتحدة بزعامة نايجل فراج، الذي رفع شعار الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتمكن في نهاية المطاف من تحقيق هذا الهدف في عام 2020، (مع العلم أن اسم الحزب قد تغير لاحقًا إلى حزب الإصلاح البريطاني). وإذا استمرت الأحزاب القومية المتطرفة في تحقيق المزيد من المكاسب في مختلف الدول الأوروبية، فستتزايد بالتأكيد الأصوات المطالبة بتفكيك الاتحاد الأوروبي أو إضعافه بشكل كبير وتقويض دوره.

وفي فرنسا، اتخذ الرئيس ماكرون قراراً بالدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة. ولا تزال المنافسة الانتخابية على أشدها، ولكن التوقعات الأولية تشير إلى إمكانية فوز اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان وسيطرته على مقاليد الحكومة. ولوبان ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي نتاج طبيعي لبنية اجتماعية مضطربة تدعم صعودها المستمر. فماذا يمكن أن يحدث إذا وصلت بالفعل إلى السلطة؟

وفي داخل الاتحاد الأوروبي، تواصل ألمانيا جهودها الحثيثة للدفاع عن الاتحاد بقوة، ولكن توليها هذه المهمة بمفردها يجعل فرص نجاحها ضئيلة للغاية، حيث يعتقد العديد من مواطني دول الاتحاد الأوروبي أن ألمانيا "تستغل" بلدانهم لتحقيق مصالحها الخاصة. وبالإضافة إلى ذلك، كان لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تأثيرات كبيرة على الاتحاد ككل، وأثار المخاوف من تزايد الرغبة في الخروج منه، وتأجيج المشاعر القومية المتطرفة في القارة، وذلك وفقاً لتقرير نشرته مجلة الإيكونوميست الشهيرة.

مستقبل مقلق للمسلمين والأقليات

يعتبر المسلمون والأقليات الأخرى من بين الفئات الأكثر تضرراً من صعود اليمين المتطرف في أوروبا. فالأحزاب القومية المتطرفة غالباً ما تستخدم خطاب الكراهية والتمييز ضدهم، وتدعو بشكل صريح إلى تقييد حقوقهم وحرياتهم، بل وحتى طردهم قسراً من البلاد.

فعلى سبيل المثال، شهدت فرنسا في السنوات الأخيرة سلسلة من الهجمات الإرهابية التي استهدفت المسلمين بشكل خاص، بالإضافة إلى تصاعد ملحوظ في الخطاب المعادي للإسلام من قبل بعض السياسيين والإعلاميين. وقد أظهرت دراسة تفصيلية أجراها مركز "بيو" للأبحاث ارتفاعاً كبيراً في مستويات العداء تجاه المسلمين والمهاجرين في السنوات الأخيرة في أوروبا، حيث أعرب ما يقرب من 57% من الأوروبيين عن قلقهم العميق من أن المهاجرين سيؤثرون بشكل سلبي على الاقتصاد المحلي والثقافة المجتمعية.

كما أبرز تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية تزايد التشريعات التمييزية والسياسات القمعية الموجهة ضد المسلمين والمهاجرين في أوروبا، مع زيادة مقلقة في حالات العنف العنصري والهجمات المباشرة على المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية. هذا الفهم العنصري ينظر إلى كل دين وعرق وثقافة مختلفة كـ "آخر" غريب ويقصيه. هذا الفهم، الذي كان في السابق يظهر فقط مع الأحزاب الصغيرة، تحول الآن إلى أحزاب جماهيرية قادرة على الوصول إلى السلطة. ولهذا السبب، فمن المرجح أن تسقط أوروبا في قبضة العنصرية، وأن تواجه المجتمعات المسلمة تحديات ومشاكل أكبر في المستقبل القريب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة